“تحقيق حصري بقلم هيئة موقع دوكيسا بريس.
“تونة العرائش”… الكنز البحري الذي يتحول إلى خطر صامت
في كل موسم، ومع أولى إشارات صيد سمكة التونة، تستفيق مدينة العرائش على ظاهرة غريبة مألوفة كميات ضخمة من هذه السمكة التونة تغزو الأسواق الشعبية، دون أصل معروف، ولا مراقبة تُذكر، وكأننا أمام تجارة تسير في الظل… و”تتغذى” على غياب القانون.
“سمكة بمواصفات ذهبية… تُباع في الظل.”
التونة ليست مجرد سمكة موسمية، بل سلعة بحرية نادرة تدر أرباحًا هائلة على الصعيد العالمي، خصوصاً في السوق الآسيوية. ومع ذلك، فإن هذه “الثروة الزرقاء” التي تُحاط في العالم بحواجز قانونية صارمة، تجد طريقها بسهولة إلى أسواق العرائش، محمولة في صناديق بلا هوية، ولا وثائق تثبت مصدرها أو سلامتها.
ورغم أن المغرب منخرط في اتفاقيات دولية لتنظيم صيد التونة، على رأسها اتفاقية ICCAT، فإن الممارسات على الأرض تحكي قصة أخرى… قصة سوق موازٍ يزدهر بصمت، ويُهدد كل ما تعنيه كلمة “سلامة غذائية”.
من البحر إلى المائدة… بدون رقيب
هذه التونة التي تُعرض فجأة في السوق، لا تمر عبر المساطر البيطرية، ولا تخضع لأدنى شروط النقل والتبريد، رغم أنها من بين أكثر الأسماك عرضة للتعفن السريع. خطورة الأمر لا تكمن فقط في التهريب أو خرق القانون، بل في المخاطر الصحية المباشرة، من بينها احتمال الإصابة بتسممات خطيرة بسبب بكتيريا مثل Clostridium botulinum.
هكذا تتحول التونة، في غياب المراقبة، من وجبة غنية بالأوميغا 3 والبروتينات، إلى قنبلة غذائية موقوتة… تنفجر في أجساد المواطنين بصمت.
من المسؤول؟
أمام هذه الوضعية، يطرح المواطنون والمتتبعون سؤالاً مشروعاً: أين هي أعين الرقابة؟ أين هي اللجان البيطرية؟ أين هو دور السلطات الصحية والوصية على القطاع؟ خصوصاً أن القانون المغربي واضح في هذا الباب: أي منتج غذائي موجه للاستهلاك يجب أن يخضع للمراقبة والتأشير الصحي.
لكن ما يحدث في موسم التونة بالعرائش يُظهر واقعاً مختلفاً: واقع يتحدث بلغة الفوضى، والتواطؤ أحيانا. و لا يقتصر هذا الأمر على الصحة فقط، بل يمسّ صورة العرائش كمدينة بحرية لها تاريخ عريق في صيد سمكة التونة . كيف يُعقل أن يتحول مرفأها وسوقها إلى ملاذ لسمك مهرب، دون تتبع أو تنظيم؟
إنها صورة تُسيء إلى مهنيي البحر الحقيقيين، وتضرب الثقة في المؤسسات، وتخلق مناخاً تجارياً غير عادل.
النداء الأخير… قبل أن يُصبح الاعتياد كارثة
الوقت لم يفت بعد، لكن السكوت عن هذه الظاهرة سيحوّلها إلى قاعدة بدل أن تكون استثناءً. المطلوب اليوم فتح نقاش مجتمعي ومهني حقيقي حول هذا الملف:
•تشديد الرقابة على مصدر التونة
•فرض شروط السلامة الصحية
•مراقبة مافيا هذا القطاع لوقف التهريب
•وتوعية المستهلك ليكون جزءاً من الدفاع عن صحته
“تونة العرائش” ليست مجرد سمكة… بل عنوان لصراع بين الفوضى والقانون، بين الربح السريع وحماية الإنسان. فهل تتحرك الجهات المعنية؟ أم أن موسم التونة سيبقى، كالعادة، موسماً للصمت؟
ولنا عودة…