نحن جيل نشأنا في زمن كان فيه الحب والتسامح والوفاء والاحترام هي الأركان الأساسية التي بنيت عليها حياتنا. تربينا على أيدي رجال ونساء لم يدخلوا المدارس ولم يتعلموا القراءة أو الكتابة، ولكنهم كانوا أساتذة في فن الحديث وفهم الحياة. هؤلاء لم يدرسوا الأدب في الكتب، ولكنهم علمونا الأدب في كل تصرفاتهم، في كل كلمة كانوا ينطقون بها، في نظراتهم وحتى في صمتهم.
كانوا قدوة حقيقية في علم الحياء. لم يتعلموا هذا العلم من الجامعات أو المدارس، بل من تجاربهم الحياتية، من فهمهم العميق لقيمة الحشمة والكرامة. كانوا يعرفون كيف يحترمون الآخر دون المساس بكرامتهم، وكيف يظهرون الخجل دون ضعف. كان الحياء لديهم مبدأ، وليس مجرد سلوك مؤقت أو حالة عرضية.
وعندما نتحدث عن العلاقات الإنسانية، نتذكر جيداً أنهم لم يقرأوا كتاباً واحداً عن فن العلاقات أو طرق التواصل الفعّال، ولكنهم مارسوا حسن المعاملة بشكل طبيعي وبسيط. كانوا يعلموننا كيف نتعامل مع الناس بحب وكرم، دون تكبر أو تجريح. كانت أخلاقهم نبراساً نهتدي به في حياتنا اليومية، وكانت تصرفاتهم تعبر عن حكمتهم وفهمهم العميق للعلاقات الإنسانية.
أما عن الدين، فلم يكونوا علماء في الفقه أو الشريعة، لكن إيمانهم كان عميقاً ومترسخاً في قلوبهم. لم يكن إيمانهم مجرد شعارات أو كلمات تقال، بل كان أسلوب حياة ينعكس في كل ما يقومون به. علمونا أن الإيمان ليس في المظاهر، بل في النوايا، وفي احترام الإنسان لأخيه الإنسان، وفي تقدير النعم والشكر عليها.
لقد تربينا على أن نتحدث مع بعضنا البعض، وليس عن بعضنا البعض. علمونا أن الكلام عن الآخر قد يضر أكثر مما ينفع، وأن احترام الخصوصية هو من أهم ركائز المجتمع المتحضر. كان تعاملنا مع الآخرين يتسم بالصدق والاحترام، وكانت مجالسنا مليئة بالنقاشات البنّاءة، بعيداً عن الغيبة والنميمة.
وأخيراً، لا أنسى الهيبة التي كانت للأهل في حياتنا. كانوا هم العمداء في أسرنا، نأخذ رأيهم ونحترم توجيهاتهم. علمونا أن الوطن هو ملاذنا الأول والأخير، وأن حب الوطن ليس مجرد شعار يُرفع، بل هو مسؤولية نحملها في قلوبنا وأفعالنا.
هذا إهداء لكل من عاش تلك اللحظات الجميلة، لكل من تذوق طعم الأصالة في زمن كانت فيه القيم النبيلة هي الأساس، لكل من تشبع بتلك المبادئ وتعلم من جيل عظيم لم يعرف التعليم الرسمي، ولكنه علّمنا أجمل دروس الحياة.