📣 الحلقة الثالتة
في هذا العدد من سلسلة صوت البحر، نغوص معًا في سرٍّ من أسرار المحيطات، حيث تتحرك ملايين الأسماك في صمتٍ عظيم، تقطع المسافات الشاسعة دون بوصلة، يقودها إحساسها العميق بالمواسم والتوازن. إنها رحلة الهجرة البحرية، فصل من فصول الحياة في قلب البحر، لا يشاهده إلا من يؤمن أن البحر ليس ماءً فقط، بل روحٌ تتحرك.
في كل موسم، حين يتبدّل الموج وتغيّر الرياح اتجاهها، يبدأ البحر صفحة جديدة من قصصه القديمة. تتحرك في أعماقه جيوش صغيرة من الكائنات، تسافر دون جوازات ولا حدود، تتبع نداءً غامضًا يشبه الحنين… إنه موسم الهجرة.
ليست الهجرة في البحر هروبًا من مكان إلى آخر، بل بحثًا عن توازنٍ بين الحياة والموت. فبعض الأسماك تغادر المياه الباردة إلى الدافئة لتلد، وأخرى تعود بالعكس لتعيش وتقتات. كلها تمضي وفق قانون غير مكتوب، تقوده حرارة الماء واتجاه التيار وضوء القمر في ليالي المدّ.
في هذه الرحلات الطويلة تعرف المحيطات أسماء كثيرة. فهناك التونة الزرقاء التي تشق الأطلسي لتصل إلى البحر الأبيض المتوسط، وهناك السلمون الذي يعود بشجاعة إلى النهر الذي وُلد فيه متحديًا الصخور والتيارات، وهناك السردين والأنشوفة اللذان يسافران في أسراب هائلة كأنهما غيمة من الفضة تتحرك تحت الضوء. كائنات تعرف طريقها أكثر من الإنسان نفسه، وتؤمن أن البقاء حركة لا سكون.
وعلى سواحل العرائش، حيث يلتقي التيار القادم من مضيق جبل طارق بمياه اللكوس الغنية بالعوالق، يجد السردين موطنه وراحته. هناك، يمنح البحر للمدينة رائحته الخاصة وطعمها الذي لا يشبه أي مكان آخر. ولهذا يقول البحارة القدامى: “من أراد أن يعرف البحر، فليذق سردين العرائش.”
تعلّمنا هجرة الأسماك أن لا سكون في الحياة، وأن الماء لا يختار أن يجري، بل يجري لأنه وُجد ليُحيي. والإنسان مثل السمكة، إن توقف عن الحركة اختنق. البحر يقولها بطريقته الهادئة والعميقة:
تحرّك… فالحياة لا تنتظر أحدًا.
⸻
✍️ دوكيسا بريس
🔹 سلسلة “صوت البحر”
📍 العرائش
