ساعة من الرعب قضيتها شخصيًا داخل المستشفى الإقليمي لالة مريم، حيث عايشت واقعًا مأساويًا يصعب تصديقه. قاعة الانتظار التي من المفترض أن تستقبل المرضى وتخفف عنهم، ليست سوى مساحة أشبه بقفص سجني، خالية تمامًا من أبسط معايير الإنسانية.
الوضع يتفاقم بسبب ضعف الموارد البشرية، حيث يضطر طبيب واحد لتحمل مسؤولية جميع مرضى إقليم العرائش في قسم المستعجلات، وسط غياب شبه كامل للنظافة في كل الأركان. حتى القاعات المخصصة لمراقبة المرضى تنبعث منها روائح كريهة لا تُطاق، ما يزيد من معاناة المرضى وذويهم.
ورغم كل هذه الظروف الكارثية، نجد الممرضين وطبيب المداومة يبذلون جهدًا استثنائيًا، ويعملون بكل احترافية ومسؤولية رغم انعدام أبسط شروط العمل التي تليق بهم. هؤلاء الأطر التمريضية يستحقون كل التقدير والاحترام على تضحياتهم، إلا أن ظروف اشتغالهم تشكل تحديًا يوميًا يهدد جودة الخدمات الصحية المقدمة.
المشكلة الأكبر تكمن في سوء التنظيم والفوضى التي يفرضها بعض المكلفين بالأمن داخل المستشفى، حيث تحولوا إلى تجار يستغلون حاجة المرضى، متجاهلين معاناتهم وكأنهم يتعاملون مع سلع وليس أرواح بشرية. وفي المقابل، لا يمكن إنكار وجود بعض العناصر التي تقدم المساعدة للمرضى بكل إنسانية، لكنها تبقى جهودًا فردية وسط واقع عام مأسوي.
من الواضح أن الخلل الحقيقي يكمن في من يُفترض أنهم مسؤولون عن تسيير هذا المرفق الحيوي. الإهمال وسوء الإدارة يحولان المستشفى إلى مكان أشبه بـ”زريبة”، لا يرقى لمستوى الخدمة التي تليق بالمرضى وكرامتهم.
رسالة مفتوحة إلى الجهات المعنية:
أين هي الرقابة؟ أين هي الجهود لتطويررسالة مفتوحة إلى الجهات المعنية:
أين هي الرقابة؟ أين هي الجهود لتطوير هذا المرفق الذي يُفترض أن يكون ملاذًا آمنًا للمرضى؟ هل يُعقل أن يتحول مكان يحمل اسمًا رمزيًا كـ”للا مريم” إلى رمز للمعاناة وانتهاك الكرامة الإنسانية؟
إن ما يحدث داخل المستشفى الإقليمي للا مريم يتطلب وقفة جادة من المسؤولين المحليين والجهات الصحية المعنية. الوضع لا يحتمل المزيد من التجاهل، خاصة في ظل الشكاوى المستمرة من المرضى وذويهم، والتي تُشير إلى غياب رؤية واضحة لإصلاح هذا القطاع.
المسألة ليست فقط في توفير طبيب أو ممرض إضافي، بل في إرساء نظام صحي يُحترم فيه المريض أولاً، ويوفر للعاملين بيئة عمل تحترم كفاءاتهم. يجب أن يتم:
1.تطوير البنية التحتية: إصلاح قاعات الانتظار والملاحظة، وضمان نظافة الأقسام كافة.
2.تعزيز الموارد البشرية: توظيف أطباء وممرضين بشكل كافٍ لتلبية احتياجات الإقليم.
3.إعادة هيكلة النظام الأمني: اختيار عناصر أمن مدربة تتعامل باحترام وإنسانية مع المرضى.
4.توفير المعدات الطبية الأساسية: لضمان تقديم رعاية صحية لائقة، وتقليل الاعتماد على الجهود الفردية للأطباء والممرضين.
5.إنشاء نظام رقابي فعال: يضمن المحاسبة المستمرة لكل من يتهاون أو يستغل معاناة المرضى.
لا يمكن أن تستمر الأرواح تُزهق، والكرامة تُداس في مكان من المفترض أن يُخفف عن الناس آلامهم. المستشفى الإقليمي للا مريم بحاجة إلى إصلاح شامل، ليس فقط على مستوى الخدمات، بل أيضًا على مستوى الإدارة والتسيير.
على الجهات المعنية، من وزارة الصحة والسلطات المحلية، تحمل مسؤولياتها والتدخل العاجل لإنقاذ هذا المستشفى من الوضع الكارثي الذي يعيشه. فهذا ليس فقط حقًا للمواطنين، بل هو واجب وطني وأخلاقي يجب أن يُنفذ بكل جدية وشفافية.
لأن صحة المواطن وكرامته ليستا رفاهية، بل ضرورة لا تقبل التهاون.