يُعد توزيع الدعم المالي للجمعيات من أهم الآليات التي تعتمدها السلطات المحلية لتعزيز التنمية المحلية وتشجيع العمل الجمعوي. إلا أن هذه العملية لا تخلو في كثير من الأحيان من شبهات الريع والمحسوبية، خصوصًا في مدينة العرائش، حيث يُثار الجدل حول المعايير والمقومات التي يتم الاعتماد عليها لتوزيع الدعم بين الجمعيات. فكيف يتم توزيع هذا الدعم؟ وما هي أبرز المقومات التي يعتمد عليها؟ وما هي التحديات التي تواجه هذه العملية؟
المقومات المعتمدة في توزيع الدعم
1. المقاربة الرسمية والمعايير القانونية: من الناحية النظرية، تعتمد السلطات المحلية على مجموعة من المعايير القانونية والمؤسساتية لتوزيع الدعم. من بينها:
• الأهداف الاجتماعية والتنموية للجمعية.
• عدد المستفيدين من خدمات الجمعية وحجم تأثيرها في المجتمع.
• الشفافية في التسيير المالي والإداري للجمعية، والذي يتم من خلال تقارير دورية تُرفع للجهات المانحة.
• أنشطة الجمعية وفعالياتها ومدى انسجامها مع أولويات التنمية المحلية.
2. التوزيع العادل وفقًا للاحتياجات: من المفترض أن يتم توزيع الدعم وفقًا لاحتياجات كل جمعية ومدى تحقيقها للمنفعة العامة. الجمعيات التي تقدم خدمات مباشرة للفئات الأكثر هشاشة كالأطفال، النساء، والشباب، تحظى عادة بأولوية في الحصول على الدعم.
3. دور السلطة المحلية: تلعب السلطات المحلية دور الوسيط في توزيع الدعم، حيث تقوم بإجراء تقييم شامل للملفات المقدمة من الجمعيات، ثم ترفع توصياتها للجهات المانحة سواء كانت عمومية أو خاصة.
التحديات والممارسات المرتبطة بالريع
رغم وجود معايير واضحة، فإن ممارسات الريع والمحسوبية قد تتسلل إلى عملية توزيع الدعم، ما يعرقل تحقيق العدالة والمساواة بين الجمعيات. أبرز التحديات هي:
1. المحسوبية والولاءات السياسية: في بعض الأحيان، يتم توزيع الدعم بناءً على علاقات شخصية أو انتماءات سياسية، مما يؤدي إلى تفضيل بعض الجمعيات على حساب أخرى بغض النظر عن كفاءتها أو أهمية عملها.
2. ضعف الشفافية والمساءلة: كثيراً ما يغيب مبدأ الشفافية في توزيع الدعم، حيث لا يتم الإفصاح عن المعايير أو الأسس التي تعتمد في اتخاذ القرارات. كما أن غياب آليات رقابية فعالة يُسهم في استغلال هذه الموارد لتحقيق مصالح ضيقة.
3. التفاوت في التوزيع: يشهد توزيع الدعم أحيانًا تفاوتًا ملحوظًا بين الجمعيات، حيث تحصل بعض الجمعيات على دعم مستمر وسخي، بينما تعاني جمعيات أخرى من نقص في التمويل رغم تقديمها لخدمات أساسية ومهمة للمجتمع.
4. انعدام العدالة في الفرص: لا تملك جميع الجمعيات نفس الفرص للوصول إلى الدعم، حيث قد يتم تهميش جمعيات صغيرة أو حديثة النشأة لصالح جمعيات كبرى أو قديمة تمتلك شبكات علاقات واسعة مع الجهات المانحة.
الحلول المقترحة لمعالجة الريع
من أجل ضمان توزيع عادل وشفاف للدعم، من الضروري اتخاذ مجموعة من التدابير والإصلاحات:
1. تعزيز الشفافية: يجب نشر معايير توزيع الدعم بشكل واضح ومتاح للجميع، مع وضع آليات لمراقبة كيفية توزيع التمويل.
2. اعتماد تقييم موضوعي: ينبغي اعتماد لجان مستقلة ومحايدة لتقييم ملفات الجمعيات، بعيدًا عن التأثيرات السياسية أو الشخصية.
3. تشجيع التنافسية العادلة: يجب أن تعتمد عملية التوزيع على قاعدة التنافس العادل بين الجمعيات بناءً على المشاريع والخدمات المقدمة، وليس على العلاقات الشخصية أو السياسية.
4. تحسين الرقابة: ينبغي على الجهات المسؤولة تشديد الرقابة على كيفية استغلال الجمعيات للدعم المقدم، مع تقديم تقارير دورية لضمان أن الأموال تُستخدم لتحقيق أهداف اجتماعية وتنموية حقيقية.
الخلاصة
توزيع الدعم للجمعيات في مدينة العرائش يمثل ركيزة أساسية لتنمية المجتمع المحلي. إلا أن ممارسات الريع والمحسوبية تعيق تحقيق الهدف المرجو من هذا الدعم. من هنا، تبرز الحاجة إلى تحسين آليات التوزيع عبر تعزيز الشفافية، ضمان العدالة في الفرص، والالتزام بمعايير موضوعية لتقييم الجمعيات، وذلك لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة وتحقيق التنمية المستدامة في المدينة.