في زمنٍ كانت فيه كرة القدم عشقًا صافياً وأداءً نابعًا من القلب، بزغ نجم لاعبٍ اسمه عبد الواحد لمراني، المعروف بلقب الصحراوي، ليصنع لنفسه وللمدينة العريقة العرائش مكانًا في ذاكرة الكرة الوطنية خلال فترة الاستعمار الإسباني.
كان “الصحراوي” من أوائل اللاعبين الذين حملوا راية الكرة العرائشية إلى القسم الوطني الأول، في مرحلة كان فيها التحدي مضاعفًا والظروف صعبة. ومع ذلك، لم يرضَ بأن يكون مجرد لاعب عابر، بل جعل من كل مباراة لوحة فنية، ومن كل لمسة درسًا في المهارة والوفاء للقميص.
لم يكن حينها في صفوف تلك البطولة لاعب من العرائش سواه، قبل أن ينضم إليه زميله ورفيق دربه المرحوم كسيطا، ليشكّلا ثنائيًا كرويا نادرا أسر قلوب الجماهير، ورفع راية المدينة في وجه عمالقة الكرة الإسبانية.
كان الجمهور يقف احترامًا لهما، يصفق بحرارة كلما تبادلا التمريرات السحرية، أو أبدع الصحراوي في “المقصات الهوائية” التي اشتهر بها، والتي يسميها العرائشيون إلى اليوم بـ “السيڭنڭا”، في مشهد ظل محفورًا في ذاكرة من عايشوه.
وقد واجه عبد الواحد وفريقه حينها كبار أندية الليغا الإسبانية، وتألق في مواجهات خالدة سواء في العرائش أو في إسبانيا، رفقة صديقه كسيطا الذي سبق الحديث عنه في “سلسلة ذاكرة عرائشية”.
كانا معًا عنوانًا للوفاء والموهبة، إلى أن جاءت المباراة التكريمية الشهيرة التي خُصصت لكسيطا، والصورة موجودة في الأعلى والتي ستبقى من أجمل لحظات التاريخ الرياضي للمدينة.
في تلك المقابلة التي حضرها الأسطورة العربي بن بارك، لعب كسيطا الشوط الأول، ثم دخل الصحراوي في الشوط الثاني، وفي نهاية المباراة قام العربي بن بارك بتبادل القمصان مع عبد الواحد لمراني، في لحظة مؤثرة جسدت الاحترام المتبادل بين الأسطورتين.
ولعل ما لا يعرفه الكثيرون أن الصحراوي احترف ضمن صفوف فريق ويلڤا الإسباني (Huelva)، الذي جاء مسؤولوه خصيصًا إلى العرائش للتفاوض مع والده العلامة الفقيه الحاج عبد السلام لمراني – الرجل الوقور، حافظ القرآن، والمربي الذي تتلمذ على يديه الكثير من أبناء المدينة.
رفض الحاج عبد السلام في البداية مغادرة ابنه للعرائش، لكنه وافق بعد تدخل المراقب الإسباني العام الذي كان آنذاك أعلى سلطة بالمدينة. ليقنعه بالعملية.
غير أن القدر كان له كلمته، إذ تعرّض عبد الواحد لإصابة خطيرة في الركبة خلال أول مباراة له بإسبانيا، ليعود بعدها إلى مدينته بعد إلحاح والده، وينهي مسيرته الكروية بين أهله وأحبته، محاطًا باحترام الجميع.
إن عبد الواحد لمراني (الصحراوي) ليس في حاجة إلى من يدوّن تاريخه في كتب أو قصص للتسلية، لأن تاريخه الطويل يشهد له بذلك، والصور والوثائق المحفوظة تؤكد عظمة ما قدّمه، كما يشهد له كل من لعب إلى جانبه، من الإسبان والمغاربة على السواء. وناس البلاد .وأخر شهادة في حقه كانت للحاج العربي رزين رحمه الله وأتوفر على التسجيل صوّت وصورة بذالك .
إنه اسم لا يُمحى، وقامة رياضية لا يمكن تجاهلها إلا من يجهل الأرشيف الكروي العرائشي الغني، ذلك الأرشيف الذي نعتزّ به كعرائشيين ونفتخر بأنه جزء من هوية مدينتنا الرياضية.
📸 تنبيه قانوني: يمنع استعمال أو نشر الصور دون إذن مسبق من كاتب المقال، وكل مخالف يعرض نفسه للمساءلة القانونية.
©️ دوكيسا بريس 2025 – جميع الحقوق محفوظة ✍️ إمضاء دوكيسا بريس.